تعليم طوارئ، ام تعليم إلكتروني ؟!


من خلال أطلاع كباحث في تكنولوجيا التصميم التعليمي على هذا التحول الإلزامي المفاجئ نحو التعليم الالكتروني في جميع المؤسسات التعليمية حول العالم وخاصة في فلسطين نظراً لتفشي فيروس كورونا. فبعد إعلان الحكومة حالة الطوارئ سارعت معظم المؤسسات التعليمية إلى الاستعانة بالعديد من الأدوات والتطبيقات التكنولوجية التعليمية منها وغير التعليمية، فلا شك بأن بعض التطبيقات التي تستخدم هي أدوات للتواصل عن بعد وتستخدم في بيئات الأعمال أكثر من كونها أدوات توفر بيئة تعليمية افتراضية للطالب. لا يمكن أن نلوم المؤسسات على ذلك، فقد كان هذا التحول مفاجئاً للجميع، ولم تكن غالبية المؤسسات لديها الاستعداد والإمكانيات والخبرة للتحول إلى التعليم الالكتروني سواء من حيث البنية التحيتة، أوتدريب المعلمين، أو حتى المنهجية؛ مما خلق إرباكاً لدى الطلاب وأولياء الأمور، وهذا ما دفع أحد الخبراء للمطالبة من خلال تغريدة على حسابه على الفيس بوك بالتوقف عن فعل ذلك.

الباحثون في تكنولوجيا التعليم أمضوا سنوات طويلة للتوصل ألى تعريفات للتعليم المعتمد على التكنولوجيا كالتعليم عن بعد، والتعليم الإلكتروني، والتعليم المدمج، والتعليم من خلال الموبايل وغيرها. ولكن يبدو أن هذه التعريفات لم تتوسع خارج نطاق عالم الباحثين والخبراء في تكنولوجيا التعليم. لذلك كان لا بد من مناقشة ما يتم حالياً من التعليم في حالة الطوارئ باستخدام أدوات تكنولوجية وما بين التعليم الالكتروني.

على النقيض من التعليم الالكتروني الذي يتم التخطيط له من البداية لجأت معظم الجامعات والمدارس الفلسطينية للحلول التقنية لمتابعة تدريس طلابها في حالة الطوارئ عن بعد، والهدف هنا ليس بناء نظام بيئي تعليمي قوي، وإنما هو الاتصال والتواصل المؤقت ما بين المعلمين والطلاب وتوفير المصادر التعليمية بطريقة سهلة و سريعة، على اعتبار بأن الطلاب سيعودون إلى الصفوف التعليمية، وسيتلقون تعليمهم وجهاً لوجه بمجرد الانتهاء من هذه الأزمة وحالة الطوارئ، ولن يكون المعلمين بحاجة إلى استخدام هذه الحلول والاستعانة بالمصادر التعليمية المساندة للمنهاج.

التعليم الالكتروني كما يعرفه الباحثون والخبراء هو وسيلة من الوسائل التي تدعم العملية التعليمية وتحولها من طور التلقين إلى طور الإبداع، ومن الجمود الى التفاعل ومن تنمية مهارات التفكير الدنيا إلى تنمية مهارات التفكير العليا، ويتطلب ذلك استخدام أحدث الطرق في مجال التعليم بالاعتماد على ما تنتجه التكنولوجيا من أدوات وتطبيقات حديثة، وبما يعزز من مفهوم التعليم الفردي أو الذاتي، والذي يتيح للمتعلم أن يتعلم حسب قدرته وطاقته وسرعة تعلمه وفقاً لما لديه من خبرات ومهارت(1) .

لقد قام الباحثون بتطوير العديد من المرجعيات المنهجية للتعليم الالكتروني، والتي تعتبر بمثابة خارطة الطريق لتطوير بئية تعليمية تفاعلية إلكترونية يتم من خلالها تحقيق نتائج التعليم المرجوة. ومن هذه المرجعيات، المرجعية التي قام بتطويرها الباحث بدرول خان (شكل1)، والتي تحتوي على ثمانية أجزاء مترابطة. الجزء الأول (Pedagogical) ويتعلق بالتصميم التعليمي من حيث تصميم المحتوى، وتحديد الأهداف التعليمية، وتحديد خصائص الفئة المستهدفة. الجزء الثاني (Technological ) ويتعلق بالتكنولوجيا من حيث توفر البنية التحتية التكنولوجية والأجهزة والبرمجيات اللازمة. الجزء الثالث (Interface design) يتعلق بتصميم الواجهة من حيث شكل ومظهر مواد التعليم الالكتروني بما يضمن أكبر قدر من تفاعل الطلاب مع بعضهم ومع المعلم ومع هذه المواد. الجزء الرابع (Evaluation) ويتعلق بتقييم الطلاب وتقييم المعلم وتقييم شامل لمواد التعلم الالكتروني والبئية التعليمية الألكترونية. الجزء الخامس (Management) وهو الإدارة ، حيث تحتاج الى عمل كبير من أجل متابعة وتحديث مواد التعلم الالكتروني. الجزء السادس ( Resource support) يتعلق بتوفير الدعم من موارد ودعم فني على مدار 24 ساعة لأنك متصل بالانترنت وطلابك في كل مكان. الجزء السابع (Ethical) ويتعلق بالبعد الاخلاقي وما ينطوي على ذلك من تنوع جغرافي وعرقي وثقافي للطلاب ويجب مراعاة هذا التنوع في محتوى مواد التعليم الالكتروني وطريقة عرضها. الجزء الثامن ((Institutional  ويتعلق بالمؤسسة نفسها، والتي يجب عليها توخي الحذر فيما يتعلق بالخدمات التي تقدمها للطلاب ( فقد تراود الطالب تساؤلات فيما إذا كان سيحصل على نفس جودة التعليم وجها لوجة داخل الغرف الصفية أو من خلال التعليم الالكتروني)، والتساؤل الآخر للمؤسسة نفسها، فيما اذا كان هناك عائد في الاستثمار من هذا التعليم؟ (2).



شكل (1)



لن يكون التعليم ما بعد كورونا كما كان قبله، فمجرد إنتهاء حالة الطوارئ سيعود التعليم التقليدي إلى حد ما، حيث أن هذه التجربة ستزود المعلمون والطلاب بمعايير جديد للتعليم المعاصر، تجربة تعليمية أكثر فاعلية موجه نحو الابتكار، وأنا واثق بأن هناك الكثير من المعليمن سيتبنون التحول الرقمي، بل ويبحثون عن المزيد من الفرص لتطوير المزيد من نماذج التعليم الالكتروني والتعليم المدمج. ستضطر المؤسسات التعليمية إلى إعادة التفكير في المقررات التي يجب تدريسيها من خلال التعليم الالكتروني، وسيكون فيروس كورونا البداية الحقيقة لاستخدام التعليم الالكتروني في المؤسسات التعليمية على نطاق أوسع. ولكن ! هذا يتطلب وضع الخطط الملائمة لتوفير بيئة تعليمية تفاعلية ضمن المعايير المعتمدة لتحقيق الأهداف التعليمية التعلمية، وان لا يستمر هذا الإرتباك (3).  

نشرت في صحيفة الحياة الجديدة بتارخ 15/4/2020
نشرت في وكالة وطن للانباء بتاريخ 15/4/2020

المراجع :
1.       زيتون، حسن (2005) . رؤية جديدة في التعليم " التعلم الإلكتروني " : المفهوم – القضايا - التطبيق - التقييم ، المملكة العربية السعودية ، الرياض : الدار الصولتية للتربية .
2.   The Global e-Learning Framework by Badrul H. Khan (https://www.academia.edu/2478564/The_Global_e-Learning_Framework_by_Badrul_H._Khan)
3.    How will higher education scenario change after Covid-19 Corona virus attack? https://futuresabroad.com/higher-education-after-covid-19/

Comments

Popular posts from this blog

تأثير الذكاء الاصطناعي على التصميم التعليمي

التعليم المدمج .. الخيار الأفضل لتمكين الطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة

التحول الى التعليم الإلكتروني.. هل يخلق إبداعاً في التعليم ام مزيداً من التلقين؟